فصل: تفسير الآية رقم (1):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (37):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
{وكذلك} ومثل ذلك الإنزال المشتمل على أصول الديانات المجمع عليها. {أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا} يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة. {عَرَبِيّاً} مترجماً بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه وانتصابه على الحال. {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم} التي يدعونك إليها، كتقرير دينهم والصلاة إلى قبلتهم بعدما حولت عنها. {بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العلم} بنسخ ذلك. {مَالَكَ مِنَ الله مِن وَلِىّ وَلاَ وَاقٍ} ينصرك ويمنع العقاب عنك وهو حسم لأطماعهم وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ} بشراً مثلك. {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} نساء وأولاداً كما هي لك. {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ} وما يصح له ولم يكن في وسعه. {أَن يَأْتِىَ بِآيَةٍ} تقترح عليه وحكم يلتمس منه. {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} فإنه المليء بذلك. {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} لكل وقت وأمد حكم يكتب على العباد على ما يقتضيه استصلاحهم.

.تفسير الآية رقم (39):

{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}
{يَمْحُو الله مَا يَشَاءُ} ينسخ ما يستصوب نسخه. {وَيُثْبِتُ} ما تقتضيه حكمته. وقيل يمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها. وقيل يمحو من كتاب الحفظة ما لا يتعلق به جزاء ويترك غيره مثبتاً أو يثبت ما رآه وحده في صميم قلبه. وقيل يمحو قرناً ويثبت آخرين. وقيل يمحو الفاسدات الكائنات. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي {وَيُثَّبتُ} بالتشديد. {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ إذ ما من كائن إلا وهو مكتوب فيه.

.تفسير الآية رقم (40):

{وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} وكيفما دارت الحال أريناك بعض ما أوعدناهم أو توفيناك قبله. {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ} لا غير. {وَعَلَيْنَا الحساب} للمجازاة لا عليك فلا تحتفل بإعراضهم ولا تستعجل بعذابهم فإنا فاعلون له وهذا طلائعه.

.تفسير الآيات (41- 43):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى الأرض} أرض الكفرة. {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} بما نفتحه على المسلمين منها. {والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} لا راد له وحقيقته الذي يعقب الشيء بالإِبطال، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفو غريمه بالاقتضاء، والمعنى أنه حكم للإِسلام بالاقبال وعلى الكفر بالإِدبار وذلك كائن لا يمكن تغييره، ومحل {لا} مع المنفي النصب على الحال أي يحكم نافذاً حكمه. {وَهُوَ سَرِيعُ الحساب} فيحاسبهم عما قليل في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والاجلاء في الدنيا.
{وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} بأنبيائهم والمؤمنين به منهم. {فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا} إذ لا يؤبه بمكر دون مكره فإنه القادر على ما هو المقصود منه دون غيره. {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} فيعد جزاءها. {وَسَيَعْلَمُ الكفار لِمَنْ عُقْبَى الدار} من الحزبين حيثما يأتيهم العذاب المعد لهم وهم في غفلة منه، وهذا كالتفسير لمكر الله تعالى بهم، واللام تدل على أن المراد بالعقبى العاقبة المحمودة. مع ما في الإضافة إلى الدار كما عرفت. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكافر على إرادة الجنس، وقرئ: {الكافرون} و{الذين كفروا} و{الكفر} أي أهله وسيعلم من أعلمه إذا أخبره.
{وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً} قيل المراد بهم رؤساء اليهود. {قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} فإنه أظهر من الأدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها. {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز، أو علم التوراة وهو ابن سلام وأضرابه، أو علم اللوح المحفوظ وهو الله تعالى، أي كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو شهيداً بيننا فيخزي الكاذب منا، ويؤيده قراءة من قرأ {وَمَنْ عِندَهُ} بالكسر و{عِلْمِ الكتاب} وعلى الأول مرتفع بالظرف فإنه معتمد على الموصول، ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره وهو متعين على الثاني. وقرئ: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} على الحرف والبناء للمفعول. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة من الموفين بعهد الله».

.سورة إبراهيم:

مكية وهي آياتها اثنتان وخمسون آية.

.تفسير الآية رقم (1):

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)}
{الر كِتَابٌ} أي هو كتاب. {أنزلناه إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس} بدعائك إياهم إلى ما تضمنه. {مِنَ الظلمات} من أنواع الضلال. {إِلَى النور} إلى الهدى. {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} بتوفيقه وتسهيله مستعار من الاذن الذي هو تسهيل الحجاب، وهو صلة {لِتُخْرِجَ} أو حال من فاعله أو مفعوله. {إلى صِرَاطِ العزيز الحميد} بدل من قوله: {إِلَى النور} بتكرير العامل أو استئناف على أنه جواب لمن يسأل عنه، وإضافة الصراط إلى الله تعالى إما لأنه مقصده أو المظهر له وتخصيص الوصفين للتنبيه على أنه لا يذل سالكه ولا يخيب سابله.

.تفسير الآية رقم (2):

{اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)}
{الله الذي لَهُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} على قراءة نافع وابن عامر مبتدأ وخبر، أو {الله} خبر مبتدأ محذوف والذي صفته وعلى قراءة الباقين عطف بيان ل {العزيز} لأنه كالعلم لاختصاصه بالمعبود على الحق. {وَوَيْلٌ للكافرين مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور، والويل نقيض الوأل وهو النجاة، وأصله النصب لأنه مصدر إلا أنه لم يشتق منه فعل لكنه رفع لافادة الثبات.

.تفسير الآية رقم (3):

{الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)}
{الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا عَلَى الآخرة} يختارونها عليها فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها من غيره. {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} بتعويق الناس عن الإِيمان. وقرئ: {ويصدون} من أصده وهو منقول من صد صدوداً إذا تنكب وليس فصيحاً، لأن في صده مندوحة عن تكلف التعدية بالهمزة. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} ويبغون لها زيغاً ونكوباً عن الحق ليقدحوا فيه، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير والموصول بصلته يحتمل الجر صفة للكافرين والنصب على الذم والرفع عليه أو على أنه مبتدأ خبره. {أُوْلَئِكَ في ضلال بَعِيدٍ} أي ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل، والبعد في الحقيقة للضال فوصف به فعله للمبالغة، أو للأمر الذي به الضلال فوصف به لملابسته.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} إلا بلغة قومه الذي هو منهم وبعث فيهم. {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} ما أمروا به فيفقهوه عنه بيسر وسرعة، ثم ينقلوه ويترجموه إلى غيرهم فإنهم أولى الناس إليه بأن يدعوهم وأحق بأن ينذرهم، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته أولاً، ولو نزل على من بعث إلى أمم مختلفة كتب على ألسنتهم استقل ذلك بنوع من الاعجاز، لكن أدى إلى إختلاف الكلمة وإضاعة فضل الاجتهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها، والعلوم المتشعبة منها وما في اتعاب القرائح وكد النفوس من القرب المقتضية لجزيل الثواب. وقرئ: {بلسن} وهو لغة فيه كريش ورياش، ولسن بضمتين وضمة وسكون على الجمع كعمد وعمد. وقيل الضمير في قومه لمحمد صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى أنزل الكتب كلها بالعربية، ثم ترجمها جبريل عليه السلام أو كل نبي بلغة المنزل عليهم وذلك ليس بصحيح يرده قوله: {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} فإنه ضمير القوم، والتوراة والإنجيل ونحوهما لم تنزل لتبين للعرب. {فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاءُ} فيخذله عن الإِيمان. {وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ} بالتوفيق له. {وَهُوَ العزيز} فلا يغلب على مشيئته. {الحكيم} الذي لا يضل ولا يهدي إلا لحكمه.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)}
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنا} يعني اليد والعصا وسائر معجزاته. {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور} بمعنى أي أخرج لأن في الإرسال معنى القول، أو بأن أخرج فإن صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر فيصح أن توصل بها أن الناصبة. {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة وأيام العرب حروبها. وقيل بنعمائه وبلائه. {إِنَّ في ذلك لآيات لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} يصبر على بلائه ويشكر على نعمائه، فإنه إذا سمع بما أنزل على من قبل من البلاء وأفيض عليهم من النعماء اعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر. وقيل المراد لكل مؤمن وإنما عبر عنه بذلك تنبيهاً على أن الصبر والشكر عنوان المؤمن.

.تفسير الآيات (6- 10):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)}
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم، ويجوز أن ينتصب ب {عَلَيْكُمْ} إن جعلت مستقرة غير صلة للنعمة، وذلك إذا أريد به العطية دون الأنعام، ويجوز أن يكون بدلاً من {نِعْمَةَ اللهِ} بدل الاشتمال. {يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أحوال من آل فرعون، أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب هاهنا غير المراد به في سورة (البقرة) و(الأعراف) لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه التذبيح ها هنا، وهو إما جنس العذاب أو استعبادهم أو استعمالهم بالأعمال الشاقة. {وَفِى ذلكم} من حيث إنه بإقدار الله إياهم وإمهالهم فيه. {بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} ابتلاء منه، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الانجاء والمراد بالبلاء النعمة.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أيضاً من كلام موسى صلى الله عليه وسلم، و{تَأَذَّنَ} بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكلف والمبالغة. {لَئِنْ شَكَرْتُمْ} يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الانجاء وغيره بالإِيمان والعمل الصالح. {لأَزِيدَنَّكُمْ} نعمة إلى نعمة. {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} ما أنعمت عليكم. {إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيد} فلعلي أعذبكم على الكفران عذاباً شديداً ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد، والجملة مقول قول مقدر أو مفعول {تَأَذَّنَ} على أنه جار مجرى (قَالَ) لأنه ضرب منه.
{وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن في الأرض جَمِيعًا} من الثقلين. {فَإِنَّ الله لَغَنِىٌّ} عن شكركم. {حَمِيدٌ} مستحق للحمد في ذاته، محمود تحمده الملائكة وتنطق بنعمته ذرات المخلوقات، فما ضررتم بالكفر إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد.
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله. {والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} جملة وقعت اعتراضاً، أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله ولا يعلمهم اعتراض، والمعنى أنهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلا الله، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كذب النسابون. {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} فعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى: {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ} أو وضعوها عليها تعجباً منه أو استهزاء عليه كمن غلبه الضحك، أو إسكاتاً للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمراً لهم باطباق الأفواه، أو أشاروا بها إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم: {إِنَّا كَفَرْنَا} تنبيهاً على أن لا جواب لهم سواه أو ردوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلاً.
وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أي ردوا أيادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحى إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه. {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} على زعمكم. {وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ} من الإِيمان وقرئ: {تدعونا} بالادغام. {مُرِيبٍ} موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشي.
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ} أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك. أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه. وأشاروا إلى ذلك بقولهم: {فَاطِرِ السموات والأرض} وهو صفة أو بدل، و{شَكٌّ} مرتفع بالظرف. {يَدْعُوكُمْ} إلى الإِيمان ببعثه إيانا. {لِيَغْفِرَ لَكُمْ} أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك: دعوته لينصرني، على إقامة المفعول له مقام المفعول به. {مِّن ذُنُوبِكُمْ} بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى، فإن الإسلام يجبه دون المظالم، وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين، ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإِيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتتناول الخروج عن المظالم. {وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى وقت سماه الله تعالى وجعله آخر أعماركم. {قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلاً لبعث من جنس أفضل. {تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا} بهذه الدعوى. {فَأْتُونَا بسلطان مُّبِينٍ} يدل على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزية، أو على صحة ادعائكم النبوة كأنهم لم يعتبروا ما جاءوا به من البينات والحجج واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتاً ولجاجاً.